الزهري والحمل

هناك عدوى أخرى خطيرة فيما يتعلق بنقل العدوى داخل الرحم للجنين وهي مرض الزهري.

كما هو الحال مع السل، كان يُنظر إلى مرض الزهري سابقًا على أنه مرض اجتماعي مرتبط بضعف المستوى الثقافي للسكان. ومن المستحيل الجزم بعكس ذلك، إذ كانت النجاحات في مكافحته جلية في مرحلة معينة. وقد لعب دوراً خاصاً في ذلك البحث عن مرضى الزهري (من قِبل الشرطة) كما لو كانوا مجرمين، وإجبارهم على العلاج، مما أدى إلى قطع سلسلة العدوى. أما اليوم، فقد تغيرت أساليب تشخيص هذا المرض وعلاجه بعض الشيء. وإذا كان عرض مريض مصاب بالزهري على طلاب الطب قبل 15-20 عامًا يُعدّ نجاحاً نادراً للمعلم، فقد عاد هذا المرض الآن لينتشر على نطاق واسع في المجتمع.

يحدث الزهري الخلقي كسببٍ لحالات الإملاص في 0.5-0.8% من الحالات. تحدث عدوى الجنين بغض النظر عمّا إذا كانت المرأة مريضةً قبل الحمل أو أُصيبت به أثناء الحمل أو بعده. علاوةً على ذلك، كلما كان الجنين مُصابًا بالعدوى أسرع، كلما كانت الفترة المُنقضية منذ لحظة الإصابة أقصر. وبالتالي، إذا حملت المرأة عدة مرات بعد الإصابة، فإن خطر الإصابة بالعدوى داخل الرحم ينخفض مع كل حمل لاحق، وقد ينتهي الحمل بولادة طفل سليم. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن ولادة طفل سليم لا تزال تُلاحظ بشكل رئيسي لدى النساء المُعالجات.

عادةً ما تحدث إصابة الجنين داخل الرحم باللولبيات الشاحبة (المسببة لمرض الزهري) بين الشهر السادس والثامن من الحمل (نادرًا جدًا قبل ذلك). علاوة على ذلك، تصل اللولبيات إلى الجنين فورًا، ولا تتضرر المشيمة إلا بعد ذلك. بعد دخولها جسم الجنين، تتكاثر اللولبيات وتُسبب تغيرات محددة في أنسجته. غالبًا ما تُصاب أنسجة الكبد والرئتين والعظام.

بالإضافة إلى التغيرات المذكورة أعلاه، يُظهر المواليد الجدد المصابون بالزهري الخلقي أعراضًا أخرى: التهاب الأنف (سيلان الأنف الزهري)، والفقاع (ظهور بثور على الجلد)، وعلى عكس الفقاع الناتج عن الكائنات الدقيقة المُقيحية (المكورات العنقودية)، قد تظهر بثور على راحتي اليدين والقدمين لدى المصابين بالفقاع الزهري. قد لا تظهر أعراض الزهري الخلقي فورًا، بل بعد مرور بعض الوقت (حتى عشرة أسابيع).

تتأثر المشيمة بعد إصابة الجنين. تدخل البكتيريا الحلزونية المشيمة عبر الأوعية الدموية السُرية، مُسببةً تلفًا في جدرانها. تنتشر هذه التغيرات على نطاق واسع، وتُعطل وظائف المشيمة بشكل خطير. في هذه الحالة، يموت الجنين داخل الرحم، وينتهي الحمل إما بالإجهاض أو الولادة المبكرة.

وفقًا للإحصاءات، تحدث حالات الإجهاض التلقائي لدى النساء المصابات بالزهري بنسبة 10-15%، وحالات ولادة جنين ميت بنسبة 5-50%، وولادة أطفال مرضى بنسبة 20-30%. تتمثل الوقاية من الزهري الخلقي في خضوع جميع النساء الحوامل المصابات بالزهري للفحص المصلي مرتين: مرة في النصف الأول من الحمل ومرة في النصف الثاني. إذا ظهرت على المرأة علامات الزهري النشط، فإنها تخضع للعلاج.

يجب البدء بالعلاج المضاد للزهري منذ بداية الحمل لمنع انتقال البكتيريا الحلزونية الشاحبة عبر المشيمة في الوقت المناسب. خلال حالات الحمل اللاحقة، يُكرر علاج الزهري بالضرورة. وكما هو الحال مع السل، يُجرى علاج الزهري مع مراعاة احتمالية حدوث اعتلال جنيني ناتج عن الأدوية. ويُجرى العلاج أيضًا للمواليد الجدد، حتى في الحالات التي تتلقى فيها الأم دورة علاج كاملة بمضادات الزهري.