يرتبط الانتقال في مرحلة الطفولة بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ

تبحث دراسة حديثة نشرت في مجلة JAMA Psychiatry ما إذا كان التنقل أثناء الطفولة ومستويات الدخل المختلفة في الأحياء يرتبطان بخطر الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ.

من المتوقع أن يرتفع العبء الاقتصادي العالمي للأمراض النفسية إلى 6 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2030، متجاوزًا بذلك التكاليف الإجمالية لمرض السكري والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة. وتتعدد أسباب الأمراض النفسية، وقد تشمل عوامل اجتماعية واقتصادية وبيولوجية ونفسية.

يمكن أن يؤثر الدخل وخصائص الحي إيجابًا أو سلبًا على صحة الشخص. على سبيل المثال، يمكن للتفاعلات الاجتماعية الإيجابية أن تمنح الناس شعورًا بالسيطرة على بيئتهم، مما يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب.

يرتبط الاكتئاب في مرحلة البلوغ والحرمان في مرحلة الطفولة ارتباطًا وثيقًا. فالأطفال الذين يتنقلون كثيرًا يكونون أكثر عرضة لمشاكل الصحة النفسية في المستقبل، والتي قد تكون ناجمة عن اضطرابات في العلاقات الاجتماعية، والروتين الأسري، والعلاقات العاطفية. وبالتالي، قد يكون التنقل المتكرر في مرحلة الطفولة عامل خطر محتمل لمشاكل الصحة النفسية في المستقبل.

استخدمت الدراسة الحالية السجلات الوطنية الدنماركية لاختبار الفرضية القائلة بأن التنقلات المتكررة أثناء الطفولة ومستويات الدخل الأعلى في الأحياء السكنية ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ.

شملت الدراسة جميع المواطنين الدنماركيين المولودين بين 1 يناير 1982 و31 ديسمبر 2003، والذين عاشوا في الدنمارك خلال السنوات الخمس عشرة الأولى من حياتهم. وتمت متابعة هؤلاء الأفراد حتى تشخيص إصابتهم بالاكتئاب، أو الهجرة، أو الوفاة، أو حتى 31 ديسمبر 2018.

شملت مقاييس الأثر متوسط مؤشر فقر الدخل طوال فترة الطفولة، ومؤشر فقر الدخل في المنطقة للفترة نفسها. صُنِّف الأفراد إلى "مُقيمين" أو "مُنتقلين" بناءً على بقائهم في نفس منطقة البيانات طوال فترة الطفولة.

شملت الدراسة 1,096,916 فردًا، منهم 51.4% رجال. وخلال فترة المتابعة، شُخِّص 35,098 فردًا بنوبة اكتئاب، منهم 32.4% رجال و67.6% نساء.

وُجد ارتباطٌ هامٌّ بين ارتفاع معدل الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ والتحصيل التعليمي، والوضع الوظيفي، وانخفاض دخل الوالدين، وذلك بعد ضبط عوامل الخطر على مستوى الفرد. كما وُجد أن زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ ترتبط بصغر سن الأم، وبدرجةٍ أقل، بصغر سن الأب.

ارتبط الانتقال خلال الطفولة ارتباطًا وثيقًا بارتفاع معدلات الاكتئاب في مرحلة البلوغ مقارنةً بمن لم ينتقلوا. إذا انتقل الطفل أكثر من مرة بين سن العاشرة والخامسة عشرة، فإن خطر الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ يكون أعلى بمقدار 1.61 مرة. ويظل تأثير الانتقال على الاكتئاب في مرحلة البلوغ قائمًا بغض النظر عما إذا كان الطفل يعيش في منطقة محرومة إلى حد ما خلال طفولته.

وُجد ارتباطٌ طفيف، وإن كان ثابتًا، بين خطر الاكتئاب وفقر الدخل في الحي في جميع الأعمار. وانخفض الخطر بشكلٍ طفيف بعد تعديله على مستوى الفرد.

بشكل عام، مقابل كل زيادة بنسبة 2% في انتشار الاكتئاب، كانت هناك زيادة بمقدار خطأ معياري واحد في فقر الدخل خلال السنوات الخمس عشرة الأولى من العمر. وكانت النتائج مماثلة عند استبعاد اضطرابات طيف الفصام أو اضطرابات تعاطي المخدرات.

عند تقسيم مؤشر الفقر إلى خُماسيات، لوحظت تباينات مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، إذا وُلد شخص في منطقة ذات أدنى معدل فقر دخل وعاش في منطقة ذات معدل فقر دخل متوسط في سن الخامسة عشرة، فإن خطر الإصابة بالاكتئاب يزداد بنسبة 18%. في المقابل، لوحظ نمط معاكس، مع انخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب، لدى من وُلدوا في مناطق أفقر لكنهم انتقلوا إلى مناطق ذات دخل أعلى قليلاً في سن الخامسة عشرة.

تؤكد نتائج الدراسة الدور الوقائي للبيئة المنزلية المستقرة في الطفولة ضد الاكتئاب في مرحلة البلوغ. لذلك، ينبغي وضع ودعم سياسات تهدف إلى بناء طفولة مستقرة.

من أهمّ القيود التي واجهتها العينة المستخدمة في هذه الدراسة هو التمثيل المتحيز لمرضى الاكتئاب الأكثر حدة. ومع ذلك، يفترض الباحثون وجود ارتباطات أضعف في حالات الاكتئاب الأقل حدة. إضافةً إلى ذلك، قد تؤدي القياسات غير الدقيقة للمتغيرات المصاحبة أو الوصف غير الدقيق للمناطق إلى درجة ما من التداخل المتبقي غير المكتشف.

من القيود الإضافية عدم قدرة السجلات الدنماركية على استيعاب تعقيدات الأسر المختلطة. على سبيل المثال، في حالة تفكك الأسرة، قد يكون للطفل منزل منفصل عن منزل والديه، ويتنقل الطفل بينهما باستمرار، لكن السجل لا يُدرج سوى عنوان واحد لكل طفل.