كيف يؤثر الكحول على صحة الرجال؟

يؤدي تعاطي الكحول المزمن إلى إحداث فوضى في عملية التمثيل الغذائي وخصوبة الرجال: استكشف الآليات الخفية التي تربط بين تلف الكبد واختلال التوازن الهرموني والصحة الإنجابية، وفهم سبب ضرورة إعادة التفكير في علاقتك بالكحول.

في دراسة حديثة نُشرت في مجلة Metabolites ، درس باحثون من إيطاليا كيفية تأثير استهلاك الكحول على عملية الأيض والصحة الإنجابية للرجال، مع التركيز على دوره في وظائف الكبد، واستقلاب الدهون، وإنتاج هرمون التستوستيرون. وسلطوا الضوء على المخاطر المرتبطة بالتعاطي المزمن للكحول، والحاجة إلى مزيد من البحث لمعالجة التناقضات القائمة، لا سيما فيما يتعلق بالاختلافات الفردية، والاستعداد الوراثي، وتأثير عوامل أخرى.

الاستهلاك المعتدل للكحول وتأثيراته المضادة للأكسدة: على الرغم من ثبوت تأثير الإفراط في تناول الكحول سلبًا على جودة الحيوانات المنوية وإنتاج هرمون التستوستيرون، إلا أن الاستهلاك المعتدل قد يكون له فوائد مضادة للأكسدة بفضل مركبات مثل البوليفينول الموجودة في النبيذ والبيرة. ومع ذلك، لا يزال هذا التأثير المحتمل محل جدل ويتطلب مزيدًا من الدراسة.

يُعدّ إدمان الكحول مشكلة صحية عالمية، إذ يُسبب ما بين 5% و8% من الوفيات حول العالم، ويزيد من خطر الإصابة باضطرابات التمثيل الغذائي. ويُسهم تعاطي الكحول على المدى الطويل في الإصابة بأكثر من 200 مرض، بما في ذلك أنواع مختلفة من السرطان. كما يُضعف وظائف العديد من الأعضاء، بما في ذلك الدماغ، والجهاز الصماء، والكبد، والقلب، والجهاز الهضمي، ويؤثر على عملية التمثيل الغذائي للعناصر الغذائية.

في هذه المراجعة، قام الباحثون بفحص تأثير الكحول على الصحة الإنجابية للذكور والمحور التناسلي، مع التركيز على الآليات الفسيولوجية والمرضية المعقدة لعملية التمثيل الغذائي للكحول وتفاعلاتها مع عوامل نمط الحياة الأخرى مثل النظام الغذائي والنشاط البدني.

الكحول والصحة الأيضية

يبدأ أيض الكحول بالامتصاص في المعدة والأمعاء الدقيقة، ثم يُعالج في الكبد عبر مسارات مؤكسدة وغير مؤكسدة. في عملية الأيض المؤكسدة، تُحوّل إنزيمات مثل نازعة هيدروجين الكحول (ADH) ونازعة هيدروجين الألدهيد (ALDH) الكحول إلى أسيتالديهيد وأسيتات، مما يُولّد أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS) ويُساهم في الإجهاد التأكسدي والالتهاب.

تُنتج المسارات غير المؤكسدة مستقلبات مثل إسترات إيثيل الأحماض الدهنية وفوسفاتيديل إيثانول. تعتمد الكفاءة الأيضية الفردية على عوامل مثل الوراثة، والنظام الغذائي، والأمراض المصاحبة، وتكرار استهلاك الكحول وكميته.

يرتبط استهلاك الكحول المزمن بمجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك متلازمة التمثيل الغذائي، وداء السكري من النوع الثاني، ومرض الكبد الدهني، ومرض الكبد الكحولي. يمكن أن يتطور مرض الكبد الدهني من مرض كبد دهني قابل للعكس إلى حالات خطيرة مثل التهاب الكبد الكحولي، وتليف الكبد، وسرطان الخلايا الكبدية.

يُفاقم الكحول مقاومة الأنسولين، وخلل الميتوكوندريا، والإجهاد التأكسدي، وذلك بتعطيل استقلاب الدهون وتعزيز الالتهاب. تشير بعض الدراسات إلى أن تناول الكحول بكميات قليلة إلى معتدلة قد يُقلل من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، إلا أن الإفراط في تناوله يُسبب تلف الكبد وخللًا في التمثيل الغذائي من خلال ضعف إشارات الأنسولين، والإجهاد التأكسدي، واختلال تنظيم المسارات الخلوية.

يؤدي استهلاك الكحول المزمن إلى حدوث خلل كبير في وظائف الكبد من خلال تكوين كميات زائدة من الأسيتالديهيد، والإجهاد التأكسدي، واضطرابات التمثيل الغذائي للدهون، وموت الخلايا المبرمج.

يؤدي تعاطي الكحول أيضًا إلى اختلال توازن ميكروبات الأمعاء وزيادة نفاذية الأمعاء، مما يؤدي إلى زيادة مستويات الليبوبوليساكاريد (LPS)، التي تنشط الخلايا المناعية وتحفز موت الخلايا الكبدية، مما يساهم في تطور التهاب الكبد الكحولي الشديد.

وتشير الأدلة الحديثة أيضًا إلى أن الخلل الوظيفي في الميتوكوندريا الناجم عن الكحول يؤدي إلى تفاقم موت الخلايا المبرمج ويضعف تجديد الكبد.

بالإضافة إلى ذلك، يُعطّل الكحول أيض الدهون والكربوهيدرات، مما يُضعف أكسدة الأحماض الدهنية، وتكوين الجلوكوز، وتوازن الميتوكوندريا، مما يؤدي إلى تراكم الدهون في الكبد وعدم تحمل الجلوكوز. يُسهم هذا الاضطراب الأيضي في حدوث سلاسل التهابية، وتلف تأكسدي، وتغيرات جينية قد تُسبب متلازمة الأيض الناجمة عن الكحول.

تأثير الكحول على إنتاج هرمون التستوستيرون

التأثير على الصحة الإنجابية للمراهقين: لا تزال تأثيرات الكحول على إنتاج هرمون التستوستيرون والخصوبة لدى الذكور خلال فترة المراهقة، وهي فترة مهمة في النمو، غير مفهومة بشكل جيد، مما يشير إلى وجود فجوة بحثية كبيرة.

يؤثر استهلاك الكحول على إنتاج هرمون التستوستيرون من خلال آليات معقدة. يمكن أن يؤدي الاستهلاك الحاد للكحول إلى انخفاض مستويات التستوستيرون عن طريق استنفاد NAD+، وتثبيط الغدد التناسلية، وتعطيل إنتاج الستيرويدات، وتغيير محور الوطاء-الغدة النخامية-الغدة التناسلية (HPG).

يميل تعاطي الكحول المزمن إلى خفض مستويات هرمون التستوستيرون، ويزيد تلف الكبد والاختلالات الهرمونية (مثل ارتفاع مستوى الإستروجين) من سوء الوضع. وقد وجدت دراسة تحليلية أن تعاطي الكحول المزمن يُخفض مستويات هرمون التستوستيرون في المصل بمعدل 4.86 نانومول/لتر مقارنةً بالممتنعين عنه.

غالبًا ما يؤدي تعاطي الكحول، وخاصةً الإفراط في الشرب، إلى ظهور أعراض أنثوية نتيجةً لفرط الإستروجين والضرر التأكسدي لخلايا لايديغ. تعتمد هذه التأثيرات على جرعة الكحول، ووظائف الكبد، وعوامل فردية. من المهم الإشارة إلى أن آثار الكحول على إنتاج هرمون التستوستيرون خلال فترة المراهقة تتطلب مزيدًا من الدراسة.

تأثير الكحول على الجهاز التناسلي الذكري

يؤثر استهلاك الكحول سلبًا على خصوبة الرجال، لا سيما من خلال تأثيره على تكوين الحيوانات المنوية. قد يُضعف الاستهلاك الحاد للكحول إنتاج الحيوانات المنوية من خلال زيادة الإجهاد التأكسدي وإضعاف وظيفة خلايا سيرتولي، على الرغم من تباين نتائج الدراسات البشرية. يرتبط الاستهلاك المزمن للكحول بشكل أوضح بانخفاض جودة الحيوانات المنوية، بما في ذلك انخفاض حجمها وتركيزها وشكلها.

تشير بعض الأدلة إلى فوائد محتملة لمضادات الأكسدة من استهلاك الكحول باعتدال، إلا أن هذه النتائج لا تزال غير قاطعة وتعتمد على السياق. يُسبب الإفراط في استهلاك الكحول تلفًا كبيرًا في الخصيتين، بما في ذلك توقف تكوين الحيوانات المنوية ومتلازمة خلايا سيرتولي فقط. ومع ذلك، قد يكون هذا التلف قابلًا للعكس عند التوقف عن استهلاك الكحول.

إن أحد القيود الرئيسية للدراسات هو الفشل في مراعاة عوامل مثل التدخين وتعاطي المخدرات والأمراض المصاحبة، مما يجعل من الصعب استخلاص استنتاجات حول آثار الكحول على الخصوبة.

وفي الختام، تسلط المراجعة الضوء على التأثير السلبي لاستهلاك الكحول المزمن على عملية التمثيل الغذائي للخصية ووظيفتها، بما في ذلك الاضطرابات الهرمونية، وضعف تكوين الحيوانات المنوية وتدهور جودة الحيوانات المنوية.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي تعاطي الكحول إلى زيادة نفاذية الأمعاء ويسبب الالتهاب عن طريق تنشيط الالتهاب الناجم عن LPS والأسيتالديهيد، وخلل الميتوكوندريا والإجهاد التأكسدي، مما يساهم في تطور مرض الكبد الدهني الكحولي.

وقد تساعد هذه البيانات في صياغة استراتيجيات الصحة العامة من خلال تسليط الضوء على أهمية التمييز بين الاستهلاك المعتدل والحاد والمزمن للكحول، والحاجة إلى إجراء المزيد من البحوث لتطوير المبادئ التوجيهية السريرية والتدابير الوقائية.