كيف يُسبب تلوث الهواء اضطرابات مناعية وتلفًا في الرئة

يُعد تلوث الهواء مشكلة صحية عالمية: إذ يتنفس أكثر من 90% من سكان العالم هواءً يتجاوز معايير السلامة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية. وتُعد الجسيمات الدقيقة (PM) والجسيمات العالقة (PP) خطيرة بشكل خاص لأنها قد تتغلغل عميقًا في الرئتين ومجرى الدم. ورغم ثبوت العلاقة بين تلوث الهواء وأمراض الجهاز التنفسي، إلا أن كيفية تأثير هذه الملوثات على الاستجابات المناعية في الرئتين لا تزال غير واضحة.

في دراسة حديثة، بحث فريق بقيادة البروفيسور تشانغوان هونغ من كلية الطب بجامعة بوسان الوطنية في كوريا الجنوبية في كيفية تسبب التعرض طويل الأمد للجسيمات العالقة في اختلالات مناعية في الرئتين. وأوضح البروفيسور هونغ: "تُظهر دراستنا أن التعرض المزمن للجسيمات العالقة (PM10 وPM2.5) يُحفز استجابات مناعية ضارة شبيهة بالحساسية (TH2) في الرئتين من خلال تنشيط الإجهاد التأكسدي ومسار NRF2". نُشرت الدراسة في مجلة Redox Biology.

باستخدام نموذج فأري، عرّض الباحثون الفئران للجسيمات PM10 وPM2.5 يوميًا لمدة 16 أسبوعًا. ثم حللوا أنسجة الرئة والبلازما وملامح الخلايا المناعية لتقييم تأثير الجسيمات الدقيقة على صحة الرئة ووظائف الجهاز المناعي. أظهرت الفئران المعرضة للجسيمات PM10 علامات واضحة لالتهاب الرئة، بما في ذلك سماكة جدران الحويصلات الهوائية، وتسلل الخلايا المناعية، وتندب الأنسجة. كانت هذه الآثار أكثر وضوحًا في المجموعة المعرضة للجسيمات PM2.5، المعروفة باختراقها أعمق في الرئتين.

لاحظ الباحثون أيضًا تحولًا ملحوظًا في الاستجابة المناعية. فقد تم تثبيط نشاط الاستجابات المناعية من النوع TH1 المرتبطة بالوظائف الدفاعية، بينما تعززت الإشارات المرتبطة بالنوع TH2. وشمل ذلك زيادة مستويات السيتوكينات مثل IL-4 وIL-5 وIL-13، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الأجسام المضادة IgE وIgG1، المرتبطة بالربو والالتهاب التحسسي. تشير هذه النتائج إلى أن التعرض طويل الأمد للجسيمات الدقيقة يُغير التوازن المناعي نحو استجابة من النوع التحسسي.

ارتبط هذا التحول في الاستجابة المناعية ارتباطًا وثيقًا بتنشيط مسار NRF2، وهو منظم رئيسي للإجهاد التأكسدي. يحمي NRF2 الجسم عادةً من الأضرار البيئية، ولكن عند تنشيطه بشكل مزمن، يبدو أنه يُفاقم الالتهاب. يقول البروفيسور هونغ: "يُفسر هذا الارتباط الآلي سبب تفاقم الربو وأمراض الحساسية الأخرى بسبب تلوث الهواء، مُحددًا NRF2 كعامل رئيسي في هذا التحول".

تُقدم الدراسة فهمًا أعمق لكيفية تأثير تلوث الهواء المزمن على صحة الجهاز التنفسي على المستوى الجزيئي. ومن خلال ربط تنشيط NRF2 بإعادة برمجة الجهاز المناعي، تُشير النتائج إلى أهداف علاجية جديدة محتملة، مثل مضادات الأكسدة أو الأدوية التي تُنظم نشاط NRF2.

ويقول البروفيسور هونج: "تشير نتائجنا إلى أن تقليل الإجهاد التأكسدي أو تعديل نشاط NRF2 قد يكون استراتيجية جديدة لعلاج أو الوقاية من الالتهاب التحسسي الناجم عن التلوث، مثل الربو".

وبشكل عام، توفر الدراسة فهماً أكثر وضوحاً لكيفية تأثير التلوث على الجهاز المناعي وتسلط الضوء على الحاجة إلى معايير أكثر صرامة لجودة الهواء لحماية الفئات السكانية المعرضة للخطر.